الأحد، 11 يناير 2015

الحديث 55

إرادة الإنسان بعمله الدنيا ...منافيا لكمال التوحيد


الحــديث الخامس والخمــسون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
«َ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِط ، َ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَش :
البخاري/٢٨٨٧َ
وفي رواية :
" تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ..."

1شرح الحديث:
الدينار: هو قطعه من الذهب كما هو معروفسواء كان مضروباً أم لم يكن,
والدرهم: قطعة من الفضة,
أما الخميلة : فهي كساء له خمل، أي: له أهداب، القطيفه
وأما الخميصة : فهي كساء مربع.
 وسماه عبداً لهذه الأشياء؛
لأنه يعمل لها, ويجتهد ويكد لأجلها, وكأن عمله للدينار والدرهم والأقمشة والأكسية وغيرها مما يقتنى.لأنه تعلق به تعلق العبد بالرب، فكان أكبر همه، وقدمه على طاعة ربه  المقصود:...أن عمله إنما هو للدنيا،

( تعس) سقط وهلك،
وقيل: معناه انتكس عليه أمره، يعني أنه لم يفلح,
وهذا قد يكون دعاء وقد يكون خبراً,*إذا كان دعاءً فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاؤه مستجاب, فهو يدعو عليه بالتعاسة, والتعاسة هي :الشقاء كما قال جل وعلا:{فَتَعْساً لَهُمْ }[محمد:8]، 
أي: يعني شقاءً لهم,*وقد يكون خبراً يخبر عنه أن هذه حالته؛ لأنه لا يخرج عن هذه الحالة, إذا كان الإنسان يعمل للدنيا فإنه يكون تعساً,
ولا يلزم أن يكون في نظر العامل أنه تعس, وأشد التعاسة وأعظمها أن يكون في عمله بعيداً عن ربه جل وعلا وعما يسعده, فكلما تمادى في ذلك -وإن كان يظن أنه في سعادة- فهو يتمادى في التعاسه.

** شرح حديث تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم http://m.youtube.com/watch?v=YKBjp5kEfiE


قوله:( إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط) ،

*يحتــمل أن يكون المعطي هو الله فيكون الإعطاء قدريا;
أي: إن قدر الله له الرزق والعطاء رضي وانشرح صدره،
وإن منع وحرم المال سخط بقلبه وقوله،
كأن يقول: لماذا كنت فقيرا وهذا غنيا؟ وما أشبه ذلك; فيكون ساخطا على قضاء الله وقدره لأن الله منعه.
- والله- سبحانه وتعالى- يعطي ويمنع لحكمة، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب.

✏ والواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره;
  
إن أعطي شكر، وإن منع صبر. 
*ويحتمل أن يراد بالإعطاء هنا الإعطاء الشرعي;
أي: إن أعطي من مال يستحقه من الأموال الشرعية رضي،.. وإن لم يعط سخط، 

وكلا المعنيين حق،...
وهما يدلان على أن هذا الرجل لا يرضى إلا للمال ولا يسخط إلا له،

 ولهذا سماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبدا له.

وقوله: (وانتكس)
الانتكاس مثل أن يشفى المريض ثم يعود إلى مرضه, انتكس في مرضه 
يعني: عاد إلى أسوأ ما كان, وهنا كأنه دعاء يقرر عليه, يكون تعساً ثم ينتكس في أمره أشد مما كان عليه.

وقوله: (وإذا شيك فلا انتقش)، أي: إذا أصابته الشوكة فلا انتقش,
والانتقاش: هو إخراج الشوكة بالمنقاش،والمعنى: أنه إذا وقع في شدة فإنه لا يخرج منها؛ لأن الذي إذا شيك ولا ينتقش لا يجد من ينقشه ومعناه: أنه قد هلك فلا يستطيع الخلاص مما وقع فيه.

2المعنى الاجمالي :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن من كانت هذه حالته, فقد وصل إلى الغاية في الهلاك, وهو عدم الخروج مما وقع فيه من المآزق وهي عبادة الدنيا؛ لأن هذا يتمادى حتى يغطي على قلبه، فيصبح عنده الباطل كأنه حق, ويكره الحق ويبغضه، ويحب الباطل, وهذه غاية التعاسة والشقاء, فخروجه من هذا صعب إن لم تداركه رحمة من ربه جل وعلا، وإلا فإنه لا يخرج من ذلك ولا يجد من يخرجه.

3ما يستفاد من الحديث :
١- ذم العمل لأجل الدنيا،
1-  إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة: وهذا من الشرك;
     
لأنه جعل عمل الآخرة وسيلة لعمل الدنيا،
     فيطغى على قلبه حب الدنيا حتى يقدمها على الآخرة،
2-  تسمية الإنسان المسلم عبد الدينار والدرهم والخميصة:
    
 وهذه العبودية لا تدخل في الشرك ما لم يصل بها إلى حد الشرك،
    ولكنها نوع آخر يخل بالإخلاص; 

     ↩ لأنه جعل في قلبه محبة زاحمت محبة الله عز وجل ومحبة أعمال الآخرة.
٣- التحذير من فتنة المال.

المصدر: الجامع الفريد شرح فتح المجيد/  للغنيمان

انتهى    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق